الأحد، 18 يوليوز 2010

خطاطة عامة لدرس الغير

الاشكالات الأساسية و الفرعية

 
 

 

المفاهيم المركزية

 
 

 

المواقف الفلسفية

 
 

 

تعليقات/ الحجاج

 
 

 

- I وجود الغير:هل وجود الأنا مستقل عن وجود الغير؟ أم أن وجود الأنا تابع لوجود الغير؟بمعنى هل الأنا قادر أن يستمد مقومات وجوده انطلاقا من ذاته دونما الحاجة لوجود الغير؟أم أن وجود الغير ضروري حتى يكتسب وجود الأنا حقيقته؟

 

 
 
 
 
 

 

ديالكتيك/ الجدل


 

الوجود/ الكينونة




الموجودـ هنا




الوجود ـ في ـ العالم




الوجود ـ مع ـ الغير




السقوط/ العدم

 
 

 

 

التناقض/الصراع


 


وجود لذاته

 



وجود لأجل وجود آخر.

 


1ـ ديكارت:وجود الأنا تجربة ذاتية تثبته تجربة التأمل الذاتي: الكوجيطو:أن أفكر إذن أنا موجود.

وجود الأنا وجود خالص يستبعد وجود الغير.

 

 

 

2ـ هيجل:الوجود الخالص للأنا مجرد وهم. يحتاج وجود الأنا إلى إثبات موضوعي من خارج الأنا، وجود الغير./التعالي.



يدخل الأنا مع الغير في صراع و تناقض/ المخاطرة، من أجل نزع الاعتراف. نتيجة الصراع تنتهي بترتيب العلاقة بينهما على شاكلة العلاقة بين السيد و العبد: وجود لذاته/ السيد، و وجود من أجل وجود أخر/ العبد.

 


3ـ مارتن هايدغر:الوجود الإنساني بشكل عام هو وجود ـ هنا، يتميز بكونه من جهة وجودا منفتحا على الوجود ككل، ومن جهة ثانية وجود في العالم، و من جهة ثالثة وجود مع الغير.




الوجود مع الغير هو وجود مشترك بين الأنا و الغير في المعاش اليومي.




وجود الغير حقيقة مؤكدة لأنه يحدد وجود الأنا.العيش المشترك مع الغير يقتضي الخضوع للقوانين و الضرورات الاجتماعية و العادات…هذا الخضوع يقود إلى ضياع الأنا و فقدانها لذاتها و خصوصيتها الجوهرية/ السقوط  la chuteفي القلق و الثرثرة/ العدم الوجودي، حيث يصبح وجود الأنا بلا معنى / الاستلابaliénation / la sérialité

 
 

فلسفة الدياليكتيك أو التناقض عند هيجل تفترض أن ديكارت أعتبر وجود الأنا خالصا كما لو كان معلقا في الفراغ، وبالتالي أهمل ديكارت البعد الواقعي و الاجتماعي لوجد الأنا. فوجود الأنا يتواجه مع وجود الغير face- à- face  عبر الصراع و التناقض:


 


ـ القضية/ الأنا




ـ نقيض القضية/ الغير




ـ التركيب/ الحل/ علاقة السيد بالعبد

 
 

 

-IIمعرفة الغير:هل الغير قابل للمعرفة؟

 

 

 

كيف يمكن معرفة الغير؟أم ان الغير عصي عن المعرفة/عالم مغلق؟

 



إن كان الغير قابلا للمعرفة، فكيف يمكن معرفته:هل انطلاقا من إسقاط معرفة الأنا لذاتها على الغير؟أم وفق مبدأ المماثلة؟أم المشاركة الوجدانية؟

 

 
 

 

الإدراك الامبريقي




الإسقاط




الذات




الموضوع




الترنسندنتالية/التعالي




المشاركة الوجدانية




المماثلة

 
 

 

1ـ ديكارت: المعرفة اليقينية الوحيدة هي معرفة الأنا لذاتها كتجربة فعلية.




الغير غير قابل للمعرفة كذات، بل يتحول إلى موضوع يدرك حسيا/ الإدراك الخارجي / الامبريقيempirique 
 



2ـ ج. بول سارتر:تعتمد معرفة الغير واقعيا علة النظرةle regard  . هذه النظرة تفترض تباعدا مكانيا بيني و بين الغير: أنا أوجد هنا و هو يوجد هناك و بيننا مسافة فاصلة تشكل نوعا من العدم/ عدم التواصل.حولني إلى موضوعobjet كما أحوله إلى موضوع من خلال النظر. إدراك الغير يتم عبرperception phénoménologique الجسد كمعطى ظاهري، و لا يمكن النفاذ إلى جوهره. فمعرفة الغير مستحيلة.لكن إذا كانت معرفة الغير مستحيلة فان وجود الغير ضروري لكي تعرف الأنا ذاتها، عبر النظرة يحاكم الغير سلوكاتي / أشعر بالخجل بفعل نظرة الغير إن تصرفت بشكل سوقي، فالغير يحد حريتي و يشكل مصدر قلق/ الجحيم هو الآخرونl’enfer c’est les autres


 

من هنا فالغير وسيط حتمي بيني و بين ذاتي.

 

 

3ـ ماكس شيلر:الغير وحدة كلية و منسجمة بين الجسد و الروح، الظاهر و الباطن.لا يمكن إدراك الغير كجسد فقط، بل عبر الجسد تنكشف الحقيقة النفسية و الوجدانية للغير.فعندما أرى شخصا محمر الوجنتين أفهم أنه خجول، لأنني سبق أن عشت نفس التجربة، وبالتالي فالمشاركة الوجدانية لمشاعر الغير عبر المماثلة هو السبيل الوحيد لمعرفته.

 

 
 
 

 

تجربة الشرفة عند ديكارتl’expérience du balcon

 

 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

سارتر :قاعة الانتظارla salle d’attente

 

 
 

 

احمرار وجه الغير ليس ظاهرة جسدية و بيولوجية فقط و إنما هو علامة نفسية.

 
 

 

IIIـ العلاقة مع الغير:كيف يمكن ترتيب العلاقة بين الأنا و الغير؟هل على أساس ايجابي: الصداقة و الغيرية؟ أم الصراع و الغرابة؟

 

 
 
 
 
 

 

الغير القريب




الغير البعيد/ الغريب




الصداقة




الغيرية




الغرابة




الحياة بفضل الغير



الحياة من اجل الغير

 
 

 

1ـ الغرابة:

 

 

*جاكلين روس:الغير البعيد/ الغريب  étrangerكان مصدر تهديد و خطر للأنا عبر التاريخ ، لهذا كانت تسلح الجيوش و تبنى القلاع و التحصينات حول المدن. لكن المفارقة هي أن الأنا ترفض الغريب و في نفس الوقت في حاجة إليه،لأن وجود الغريب كخطر يساعد على تحقيق الوحدة و الانسجام داخل الأنا الجماعيNous/On . و حتى لو لم يكن هناك غير غريب سنخلقه و لو وهميا.

 

 

 

2ـ الصداقة:

 

 

* أفلاطون:الصداقة هي علاقة مبنية على المودة و تبادل الخير بين طرفين، و هي حالة متوسطة/ اعتدال بين النقص المطلق و الكمال المطلق.

 

 

 

* أرسطو:الصداقة فضيلة إنسانيةvertulaلأن منطلقها و غايتها الخير،و لو ارتبط الناس في المدن بينهم بروابط الصداقة لن يحتاجوا إلى القوانين و المحاكم و الحروب. فالصداقة تحقق العدالة في النفس و في الدولة.

 
 
 

* أوغست كونت:يجب أن تتخلى الأنا عن أنانيتها و أن تجعل حياتها من أجل الغير/ الغيريةaltruisme ، بدل العيش بفضل الغير الذي يشكل استغلالا و همجية.العيش من اجل الغير أو ما يسمى العيش المشترك و العادل هو أن يتحلى كل واحد بمبدأ اعتبار و احترام كرامة و حق الآخرين.

 

 

تحيل روس على أفلام الخيال العلمي التي تفترض وجود غرباء خارج الأرض

 

 

Extra-terrestres

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

الناقص بشكل مطلق لن يصادق غيره لنه معدم ليس له ما يقدم. و الكامل بشكل مطلق لن يصادق غيره لأنه ليس محتاجا لغيره.لهذا فالصداقة تحتاج إلى قدر نسبي من الكمال و النقص.

 

خطاطة عامة لدرس الشخص


الإشكالات العامة و الفرعية
المفاهيم المركزية
المواقف الفلسفية
تعليقات / حجاج
I  ـ الشخص و الهوية:
كيف تتحدد كينونة الشخص بين الوحدة و لتغير؟
هل الشخص كيان متغير باستمرار و لا أساس لوحدته،أم أن وراء هذه التغيرات تستقر وحدة الذات؟
على أي أساس الشعور بوحدة / هوية الذات؟ هل على أساس معطيات الفكر، أم الإرادة؟
الهوية
الأنا
العقل
الإرادة
الشعور
*جون لوك: إن ترابط الحالات الشعورية في الوعي عبر الذاكرة هي التي تولد في الذات انطباعا من الوحدة و الاستمرارية وراء التغيرات الجسدية و الزمنية و المكانية و السلوكية…
*أرتر شوبنهاور:الإرادة جوهر وحدة الأنا، فحالات الوعي كما أشار إليها ج. لوك متغيرة حسب تغير التجارب، و وحدة الأنا المفكر التي دافع عنها ديكارت ليست إلا مظهرا سطحيا لقوة الإرادة كجوهر ثابت، التي توجد في كل ذات بشكل مطلق، و تحدد معنى الشخص.
1 ينتقد ج لوك الجوهر الفطري للأنا أفكر التي قال بها ديكارت، و اساس هذا النقد التعارض بين النزعة العقلانية الديكارتية و النزعة التجريبية.لهذا يهدم لوك الأساس الفطري للعقل و يعوضه بالشعور كحالات و انطباعات نابعة من التجربة الحسية.
2 ينتقد شوبنهاور لوك و ديكارت في نفس الوقت،فالحالات الشعورية التي قال بها لوك تبدو جزئية و لا نهائية و متغيرة باستمرار، كما أن الفكر كأساس لوحدة الأنا عند ديكارت ليس كافيا لفهم الشخص،لأن التفكير يقود إلى الاختيار و الإرادة. إن توقف ديكارت عند التفكير و تجاهله للإرادة جعل تصوره قاصرا على الكشف عن جوهر هوية الشخص.
 ـ IIالشخص قيمة ذاتية مطلقة:
إن كانت كل التشريعات تضفي على الشخص قيمة أخلاقية عليا و مطلقة،إذن على أي أساس تقوم هذه القيمة؟ كيف يشكل الالتزام      Engagement moralالأخلاقي قاعدة" الكرامة"Dignité كقيمة إنسانية؟
الغايات
الالتزام
الواجب
العقل الأخلاقي العملي
قيمة ذاتية مطلقة.
* ايمانويل كانط:تنبع قيمة الشخص من إرادته على الالتزام العملي بالواجبات الأخلاقية المطلقة التي يفرضها عليه الوعي الأخلاقي ، مما يحقق له الكرامة، حيث يصبح جديرا بالاحترام ، و يرتقي إلى مرتبة الشخص.
* جورج غوسدروف: لا معنى لمفهوم الالتزام الأخلاقي العملي عند كانط و لا استقلالية الذات المفكرة عند ديكارت إلا في سياق التعايش الاجتماعي الذي يفرض على الفرد الانفتاح و التواصل مع الغير.فالالتزام اتجاه الآخرين في مواقف الحياة اليومية هو الذي يمنح مدلولا واقعيا لوعينا الأخلاقي.
1 ينتقد كانط ديكارت في تركيزه على العقل كأساس لماهية الإنسان، فالعقل وحده يميز الإنسان عن الحيوان و يجعله قادرا على تحديد غايات لنفسه، لكن إن كانت هذه الغايات و هذا العقل في تعارض مع الواجب الأخلاقي فان الإنسان ينحط إلى ما دون مرتبة الحيوان.
2 لقد غيب كانط في نظر غوسدروف البعد الاجتماعي الواقعي في تحليله للوعي الأخلاقي، و اقتصر على البعد المجرد و الميتافيزيقي.في حين أن الواجبات و القوانين و الالتزامات الأخلاقية هي مواقف واقعية و اجتماعية.
III ـ الشخص بين الضرورة و الحرية:
إن كان الشخص ذاتا عاقلة فهذا يعني أنه حر،لكن ما هي حدود هذه الحرية؟ هل هي حرية مطلقة،أم نسبية/مشروطة؟Conditionnée
الحرية
الضرورة
التعالي
المشروع
العمل/الشغل
*ج بول سارتر:يتمتع الإنسان بقوة الحرية الخلاقة و اللانهائية انطلاقا من قدرته على التعالي/ تجاوز ما في ذاته و ما في واقعه/وضعه نحو إمكانات أخرى لانهائية تبعا لحرية ارادته. فالشخص مشروع منفتح على كل الإحتمالات.
* ايمانويل مونييه:الشخص ذات حرة لكن حريتها مشروطة بالوعي بمحدودية القدرة الإنسانية و إكراهات الوضع البشري/ الاجتماعي.
ينطلق سارتر من منطلق وجودي ليواجه فلسفة الضرورة التي كرستها النظرية الماركسية و الحتميات النفسية التي كرستها نظرية التحليل النفسي مع سيجموند فرويد.حاول سارتر أن يعيد الثقة للإنسان في ذاته و قدرته على الفعل و التحرر.
في نظر مونييه الحرية هي ممارسة تتم داخل الحياة الاجتماعية و تبعا لقدرات الإنسان، و مادام الإنسان يعيش تبعا لشروط محددة فان حريته ليست مطلقة، وهذا ما يمنح للحرية معنى ايجابي دون أن تتحول إلى تهور. كان تصور سارتر للشخص كمشروع حر موجها نحو غايات ثورية عبثية. Anarchie


الجمعة، 16 يوليوز 2010

فن الأشكلة في تدريس الفلسفة


د: محمد سعد
نود في هذا المقال بحث طبيعة الدرس الفلسفي من خلال تركيز النظر على تدريس الأشكلة الذي يعد كفاية أفقية توحد كل الموضوعات و الأنشطة المدرجة في المقرر و النواة المركزية لتدريس الفلسفة تبعا للبراديغم الفرنسي للكتابة الإنشائية الذي يسمح بتحديد و فهم و بناء مشكل فلسفي معين.
إذا كانت المشكلات الفلسفية ( من قبيل ماهية الحقيقية؟ هل هي نافعة و ممكنة؟ ) تجد مستقرها في تاريخ الفلسفة، و تأخد شكلها الفعلي من خلال بناء متدرج عبر هذا التاريخ، يمكننا بالتالي تدريس هذا الثراث للتلاميذ؛ و غالبا ما يغيب عن أذهاننا أن تاريخ الفلسفة يعلم التلاميذ طريقة أو طرقا للتفكير، و قدرة على تحديد بعض المشكلات و طرحها بشكل أكثر عمقا و التعرف على بعض الأجوبة المقترحة. و من المؤسف له طغيان نزعة لاتاريخية ذات عمق بنيوي ووظيفي توجه بيداغوجيا الفلسفة، تدير الظهر لتاريخ الفلسفة، و غالبا ما تتعسف على هذا التاريخ، و تفرغ الدرس الفلسفي من عمقه الفلسفي، لأن الفلسفة هي حركة الروح الفلسفي في تاريخيتها.
ما يهمنا أكثر في بحثنا للأشكلة هو التركيز على التمفصل الحاصل بين تعليم الأشكلة و تعلمها. و يمكن أن نضع هنا فرضية ديداكتيكية: أن تدريس الأشكلة يمكن أن يفشل في تحقيق أهدافه إذا لم يأخذ بعين الاعتبار معطيات التعلم لدى التلميذ؛ إذ لا يكفي تحديد المشكلات الفلسفية داخل تاريخ الفلسفة و عرضها على التلاميذ من طرف الأستاذ، لا بد من تشخيص مجموع الصعوبات التي تعترض التلاميذ أثناء ممارسة الأشكلة عبر أنشطة واعية و هادفة.
1. تدريس الأشكلة:
ما ذا نعني بتدريس الأشكلة؟
يقدم رونو دوكا تحديدا أوليا لهذا المعنى الذي نبحث عنه:
الأشكلة هي تفسير و بيان لمشكل فلسفي، من خلال تحديد الرهانات و المواقف الفلسفية التي يتضمنها.
 يمكن حصر طريقتين لفهم هذا التدريس.
الطريقة الأولى:
تستند إلى تاريخ الفلسفة و المذاهب التي يعرضها ،و نشرح هذا الأمر بالقول مثلا: إن الأشكلة عند ديكارت من خلال كتابة التأملات الميتافيزيقيةهي تفكير ذاتي، و تدشين تساؤل في صيغة شك منهجي و جذري إزاء معتقداتنا و أفكارنا المكتسبة.
و أن نبرهن على أن تحصيل الحقيقية غير ممكن بالاكتفاء بالمعرفة المعطاة من طرف حواسنا وخيالنا، لكن الفهم هو الطريق الوحيد الذي يقود إلى اليقين.
إن ماهية الإشكالية تتكتشف من خلال فحص الطريقة التي اعتمدها الفيلسوف، أو الطرق التي اعتمدها الفلاسفة، كل من جانبه، و بشكل شخصي في بناء تساؤلاتهم و مشكلات بحثهم.
الطريقة الثانية:
تستند هذه الطريقة إلى بناء المفهوم و تحديده فلسفيا و أشكلته من الداخل، و الكشف عن رهاناته الميتافزيقية و الأخلاقية؛ يمكن أن نقدم مثالا من خلال التعريف الذي يقترحه ن. غو على تلاميذه:
 »الأشكلة صياغة المشكل… إذا كنا نخلق مفاهيم و تصورات لأن سيرورة بناء المشكل تحتاج لأدوات و مواد لكي تتقدم … و لأن معطى الثقافة في غالب الأحيان يكون عبارة عن أراء و معتقدات جاهزة و مقبولة من طرف الجميع إلى حد أنها تخلق شعورا مشتركا بامتلاك الحقيقة.
لا يكفي معطى الثقافة المشتركة لفهم و تفسير الواrع في شموليته و ممانعاته؛ يستلزم الوضوح تحديدا لحدود وسائلنا الممكنة لفهم و تأويل الواقع.
إن طرح مشكل فلسفي هو أن نمنح أنفسنا الوسائل و الفرص لتجاوز حدود ما نعتقد معرفته، و هو ما يمنعنا في العمق من المعرفة؛ و من إمتلاك رؤية جيدة؛ و كل الوسائل التي تضمن لنا العيش الحر وتحمل مسؤولية الدوار و التيه الذي نقع ضحية له لحظة تخلينا عن الأوهام المريحة و العذبة لأجل مواجهة ممانعات الواقع و قساوته …« 
و إذا وضعنا جانبا التعريف الأكاديمي و المدرسي، أعتقد بإمكاننا تعريف الأشكلة في العمق بأنها القدرة على الاحتفاظ الدائم بيقظة الذهن بعيدا عن السكون، وعلى بلوزة مفاهيم و تساؤلات باستمرار مع القدرة على مسألة هذه المفاهيم و التساؤلات و طرق بلورتها كما هو الحال في الجينالوجيا عند نيتشه التي تفضح باستمرار أصور غريزة الحقيقة و إرادة البحث عنها.
و من جهتي كأستاذ للفلسفة إن طرحت مشكلا فلسفيا يعني هذا أنني أطلب الكشف عن السبب الذي يجعل الحياة قابلة لأن تعاش باعتبارها موقفا ذاتيا و طريقة للوجود، أتحمل مسؤولية بناءها و إعادة بناءها باستمرا، حيث لا أحد يملك الجواب المطلق و الحكمة الكونية، و حيث أن العالم لا يقدم نفسه لي إلا تبعا للشكل الذي أحدده  »  أنا « يبدو لي أن طرح مشكلات فلسفية يعني ضرورة أن نحيا هذه المشكلات كلحظات قوية وعاصفة تسحق الاستقرار السهل الذي تمنحنا إياه الثقافة الاجتماعية، و أن نخرجها من القوة إلى الفعل و تحمل العناء و المشقة البالغة التي يقتضيها ذلك. فعل الأشكلة شاق ومزعج ويتطلب شجاعة نفسية و يبتعد عن أشكال المتعة و أوضاع الرفاهية التي يعدنا بها المجتمع البرجوازي و الاستهلاكي و المجتمع المؤسساتي و الأكاديمي، و يقتضي الذهاب بعيدا حتى النهاية الممكنة كما هو قدر لاعب القمار الذي يكون مستعدا إذا ما خسر كل نقوده أن يراهن حتى بقميصه. لكن في الفلسفة على خلاف القمار لا نخسر أي شيء، وإن خسرنا نخسر شيئا غير مهم بالنسبة لنا.
حين يتم إفراغ الفكر، على الطريقة الديكارتية لمسح الطاولة، يكون فكرنا في النهاية مهيا للحدس و التأمل و قادرا على بناء التصورات و المفاهيم الضرورية لاقتحام الواقع بشكل مناسب.
إن الأشكلة أشبه بوضع الذات و العالم كله فوق طاولة اللعب و المراهنة، و أن نكون على استعداد لخسارة كل شيء إذا اقتضى الحال ذلك. و هي النتيجة التي تحملها دوما الفلاسفة ديكارت في التأملات و بسينوزا في الأخلاق ونتشه في أفول الأصنام. لا يكون الإشكال ممكنا إلى على ضرورة إرادة داخلية للإجابة على السؤال ما الذي يجعل الحياة تستحق أن تعاش.
من هذا المنظور الذي تقدمه الطريقة الثانية، قد نفهم تدريس الأشكلة كاستعراض أمام التلاميذ لتصور و ممارسة ذاتية لبناء مشكلات فلسفية، من طرف الأستاذ كنموذج يجب اقتفاء أثره.
يمكن أن نضيف طريقة ثالثة لتدريس الأشكلة كمنهج للتفكير الفلسفي من خلال اقتراح تمارين هادفة على التلاميذ نجدها كثيرة في الكراسات التحضيرية للامتحان في الإنشاء الفلسفي.
و إن كانت هذه الطريقة تلتقي بالطرق السابقة في الهدف و بعض الإجراءات، إلا أنها تختلف عنها لكونها لا تخاطب التلاميذ كفلاسفة ومفكري المستقبل و إنما كمترشحين لامتحان مدرسي يستبد هاجس النتيجة بعقولهم.
تكون الأشكلة، كما هي معروضة في الكراسات المدرسية، موضوع تحويل ديداكتيكي؛ أقصد بالتحويل الديداكتيكي، الطريق التي يكون بها بحث مادة لتعليم أو اكتساب في المدرسة؛ ينتج عن هذا التحويل ( التحول) من بحث أصيل إلى قواعد و نتائج بحث مدرسية نوع من التطويع و إعادة بناء المعرفة العالمة لتكون قابلة للاستهلاك السهل؛ فاعتماد الإنشاء الفلسفي كنمط للتقويم يدخل في صلب هذا التحويل الديداكتيكي، يقود إلى صياغات صورية لمطالب الأشكلة كلحظة أولية في بناء الإنشاء.
و نلاحظ أن الوثائق الرسمية و الكراسات و جدادات الأساتذة تتضمن قواعد و توجيهات تضمن النجاج في ممارسة الأشكلة، هناك توافق عريض بين المشتغلين في درس الفلسفة على ضرورة إجراء المشكل الفلسفي في المقدمة، لأن كل التفكير الذي سيأتي لاحقا هو بحث عن جواب لهذا الإشكال، لكن الاختلاف بينهم قائم حول طرق تدريس الأشكلة، منهم عدد كبير من الأساتذة لتاريخ الفلسفة يتصورون أن المشكلات الفلسفية هي جزء من تاريخ الفلسفة، و معنى أن نعلم التلميذ الأشكلة هو أن نقدم له هذه المشكلات اولا، و أن نمكنه من تشخيص القضية المعروضة عليه في منطوق موضوع الإمتحان، و ثانيا أن نعلمه كيف يختار المشكل الفلسفي التاريخي الذي ينسجم مع القضية.
يفترض هذا التصور أن المشكلات الفلسفية ملكية محفوطة الحقوق للفلاسفة في سجل التاريخ الفلسفة، و لا يجوز اصطناع أو تقليل هذه المشكلات بشكل ذاتي مزيف.
بالنسبة للبعض الأخر، يستدعي طرح مشكل فلسفي إعادة بناء لهذا المشكل من خلال مخطط يحاكي الطريقة التي تم من خلالها طرح هذا المشكل من طرف الفيلسوف( داخل تاريخ الفلسفة).
البناء هو عمل هادف يفترض أن التلميذ يتصور من تلقاء ذاته مشكلا مركزيا، و يدرك الصعوبات التي تحف به و يشخص التعارضات المستمرة التي تخترق البحث لكن هذه المهام تبقى في نظر أغلب الأساتذة فوق طاقة التلميذ من هنا يظهر أن الموقف فوق طاقة التلميذ من هنا يظهر أن الموقف الأول أكثر معقولية لأنه ينسجم مع إمكانيات التلميذ، و يقلل من حجم الصعوبات التي تواجهه يوم الإمتحان؛ لكن يكون الإشكال الفلسفي، في الحالتين معا، سواء كان مبنيا أو مكتشفا، السند الأساسي لسير العمل من بدايته حتى نهايته.
و يمكن تعريف الأشكلة بإطلاق المعنى كما ورد عند جاكلين روس بأنها فن إبراز المشكلات، أو طرح التساؤلات الفلسفية الكبرى كموضوع للتفكير الذاتي.
الأشكلة من زاوية التعقيد الديداكتيكي هي سيرورة تنطلق من وضعية معطاة ( سؤال، أو قول، أو نص) لاكتشاف المفارقات التي تتضمنها، و صياغتها في تساؤلات، و الكشف عن رهاناتها، و استكشاف الأفاق النظرية الممكنة لحلها.
يتعلق الأمر في نهاية المطاف بتحويل ديداكتيكي، و إبداع فلسفي مدرسي في شكل إنشاء، لأن الفلاسفة لم ينجزوا إنشاءات فلسفية باستثناء جون جاك روسو و إيمانويل كانط كما أن الإنشاء الفلسفي هو ثمرة للتاريخ، لأن الإنشاء كما هو متعارف عليه اليوم هو صناعة فرنسية بامتياز تعود إلى نهاية القرن 19، و على الرغم من وجود بعض الأشكال الديداكتية الأخرى للإنشاء الفلسفي عبر العالم إلا أنها لم تستطع أن تبلغ مستوى جودة و احترافية النموذج الفرنسي، لأن حراس المؤسسة الفلسفية في فرنسا استطاعو صياغة براديغمات لتعليم التفلسف عبر الإنشاء كمعطى تراثي لا غنى عنه في تدريس الفلسفة.
2 ـ التعلم الذاتي للأشكلة:
من خلال الصيغ السابق، حيث تدرس الإشكالية كمحتوى تاريخ و مذهبي، أو كمضمون منهجي يعتقد الأستاذ أن طريقة هذا الفيلسوف أو مجموعة من الفلاسفة، أو طريقته الخاصة في بناء إشكالات الدرس أو في اقتراح نماذج لتصحيح الامتحانات مع تلاميذه في الفصل يمكن أن تكون نماذج على درجة كبيرة من المثالية يستحسن أن يقتفي التلميذ أثرها بغية تعلم الأشكلة.
الأشكلة هي الإجراءات الفكرية التي نستشكل بها قضية ما. لكن ما معنى أشكل؟
ها هنا سؤال حول المعنى و التعريف و من شأنه أن يطرح مشكلات حقيقية، لا نود الخوض فيها الأن، و نوثر القول: لكي يتعلم التلميذ الأشكلة يجب أن يحصل من الأستاذ على تعريف دقيق لها، و على نماذج أو أمثلة سواء كانت من صلب تاريخ الفلسفة أو من عمل الأستاذ، أن نطلب من التلميذ على سبيل المثال أن يسترشد بالشك الديكارتي لمساءلة الاعتقادات و الأحكام المسبقة المحصلة من الوسط العائلي و الاجتماعي، و من مجموعة الأقران و من وسائل الإعلام و أن نفسر له كيف يبني و يكتشف هذه التساؤلات العميقة، و يجب أن نقدم أمامه بعض النماذج لفلاسفة أو لأجوبة مصححة، و أن نطلب منه إعادة صياغتها و محاكاتها بأسلوب خاص.
لكن المأزق الذي يجب الانتباه إزاءه هنا، هو عدم كفاية إلقاء عرض إخباري حول الشكل الذي كان يتبعه ديكارت في بناء تساؤلاته، و لا تقديم نشرة من النصائح أو القواعد لحسن إنجاز الأشكلة من شأنها أن تحفز التلميذ، و تخلق لديه رغبة في الأشكلة. و مادام أن الأمر ببساطة هو تعلم و اكتساب فواجب أن يتوفر شرطانه:
الأول الرغبة و الثاني الكفاية التي تتطلب البناء إنطلاقا من أنشطة فعلية؛ و داخل هذا المنظور لا يصبح الأمر مقبولا في هذه الصيغة الساذجة؛ لنعلم التلاميذ الأشكلة حتى يتمكنوا من إنجازها.
لا يكفي أبدا، و تبعا لنوعية التلاميذ، أن نلقنهم معارف لكن يطوروا كفايات، فالمعارف لا تصبح إجرائية إلا إذا تم تحريكها و اسثتمارها في أنشطة، أي في موجهة عناد الواقع، و هنا عندما يتعلق الأمر بالأشكلة ووضع الاعتقادات محط تساؤل و تشكيك نكون بصدد موقف صعب نتحمل مسؤوليته و تبعاته النفسية و الأخلاقية و الاجتماعية.
عندما نطرح المسألة من زاوية ديداكتيكية، و بتخصيص أكبر، من زاوية الديداكتيكا النشطة، مذا يعني تعلم الأشكلة بالنسبة للتلميذ؟ هل يمكن تعليم الأشكلة؟ نميل أكثر إلى اعتماد عبارة التعلم بدل التعليم لأنها على الأقل تقدم التلميذ في صورة نشطة، و في وضعية يكون هو فيها طرفا فعالا. إذن تعلم الإشكالية لا يعني أكثر من فعل ذاتي يقوم به التلميذ لاكتساب أصول فن الأشكلة.
نحن هنا في عمق ثورة كوبرنيكية في مجال البيداغوجيا، أن يأخذ الأستاذ موقع التلميذ لكي يفهم تعلم الإشكالية من زاوية نظر التلميذ، و لكي يفهم بدرجة ثانية مجموع السيرورات الذهنية و النفسية التي يحركها التلميذ في وضعيات التعلم بشكل عام؛ و تعلم الأشكلة بشكل خاص، و فهم طبيعة الصعوبات التي تعترض هذا التعلم.
أفترض أن الأشكلة بما هي كفاية فكرية تتطلب خلقا و تطويرا عبر أنشطة متنوعة، و هادفة، و متدرجة، لكن الصورة السلبية الشائعة اليوم بين المهتمين بالبيداغوجبا تقدم مقاربة التدريس بالكفايات كنزعة تقنوية و تحكمية أكثر من مقاربة التدريس بالأهداف.
لهذا نكون مضطرين في الكثير من الأحيان إلى التحفظ و الاحتراس من استخدام كلمة الكفاية فالأشكلة من زاوية نظر ديداكتيكية هي قدرة أساسية فلسفية إلى جانب قدرات أخرى المفهمة و المحاججة لتعلم التفلسف داخل أنشطة مركبة و متعددة تضع دائما علاقتنا مع الواقع محفظ تساؤل و نقد.
يتجه الاهتمام منذ 1998 في فرنسا إلى البحث عن صيغ بيداغوجية بديلة، تتضمن حرية أكبر ونشاطا حقيقيا لتعلم التفلسف بشكل أصيل، داخل المقاهي الفلسفية، و الجامعات الشعبية و المدارس الاتبدائية و الإعداداية و يبدو مشجعا أن نتائج هذه التجارب الجريئة بدأت تعطي ثمارا ناضجة جدا؛ ربما ساعد في ذلك غياب مقررا رسمية، و غياب المراقبة المستمرة و أشكال التقويم ( الامتحانات )، و الاشتغال بحرية داخل وضعيات يشعر فيها كل واحد بمتعة، كما أن اعتماد طريقة الحوار و النقاش بدل الكتابة، كلها عوامل تغيب بقدر كبير في الثانويات الرسمية بفعل النزعة المؤسساتية التي تعشش من هذه المحاولات لإعادة تحديد الأهداف، و فهم و ممارسة مهنة أو فن تدريس التفلسف.
يجب أن نركز الاهتمام داخل إجراءات الأشكلة على المكانة التي يحتلها التساؤل وراء السؤال؛ لأن التساؤل هو الذي يرسم اتجاها و يضفي معنى و دلالة للبحث الجاري.
يكون التساؤل مطلوبا من جهة التلميذ كنشاط حيوي، و معاشا بشوق كمتعة و اكتشاف كلما كان بعيدا عن الإكراه المدرسي، ألا يكون مقترحا من طرف الأستاذ أو خاضعا لتوجيهات تحكمية تبعا لمطالب الإمتحان؛ بل يجب أن يعبر التساؤل عن ضرورة داخلية و استجابة لحاجة ذاتية، ويطرح رهانا وجوديا بمجرد إثارة هذا التساؤل.
لا بد للوضعية التساؤلية أن تضع التلميذ في  نواتها كذات مفكرة، تمارس تجربة الكوجيطو بطريقتها الخاصة شرط أساسي لاقتحام سيرورة الأشكلة.
لا يمكن اختزال التساؤل في طرح السؤال، خصوصا السؤال الذي يواجه التلميذ يوم الامتحان، و غالبا ما يلاحظ الأساتذة المصححون غياب التساؤل أو الإشكال داخل إنجازات التلاميذ، لأنها تستسلم لسؤال المطروح، أو تعيد كتابته بمفردات أخرى سطحية. لكن السؤال لا يكون واضحا حتى في ذهن من يطرحه، و دلالاته و قيمته تتحددان انطلاقا من نشاط ذات مفكرة تكشف عن مفارقات، و إحراجات مزعجة تتطلب فحصا، و تسوية، وابتكارا لحل من خلال لغة و مفاهيم؛ و تفكير منظم يقنع ذاته و ذات المتلقي، و يوجه من جديد نحو أفاق أخرى.
فالأشكلة من هذا المنظور أشبه بطريق يشقه و يعبده تساؤل أصيل. و الشروع في الأشكلة هو الشروع في السير على طريق التفلسف، و يجب ألا نقطع هذا الطريق أو نجعله غير سالك بفعل تضخم ديداكتيكي أو إفراط في تعقيد مؤسساتي.
و لا يخفى على أحد أن التزام التلاميذ بالقواعد الديداكتيكية و المنهجية في كتاباتهم يوم الامتحان لا يضمن ممارسة تفكيرية أصيلة و متسائلة. فالتساؤل الفلسفي الأصيل يخص ذاتا في حريتها، و إرادتها و طريق تموضعها إزاء العالم بطريقها الخاصة، و لا يمكن أن نضع قواعد لهذا التموضع لأننا لسنا في وضعية تعليم رياضة كرة القدم أو الشطرنج.

خاتمة:
نميل، لختم هذا المقال إلى اعتبار الأشكلة بمثابة اقتحام لفعل التساؤل الذي يسكننا كمشكل مفتوح، لأننا نشعر باستمرار بالضرورة الوجودية و التفكرية الملحة لحل لغز يواجهنا و نحن كائنات فانية توجد في العالم، وعلينا مواجهته، و تحمل تجربة المواجهة كتأسيس لوضع و موقف وجودي أصيل.

و إن كانت المؤسسة تفرض علينا أن ننخرط بشكل سيزيفي في منطقها التحكمي، و أن نضع إطارا مرجعيا لقواعد الأشكلة و التساؤل كحركات قابلة لتشخيص و القيام، فإن رهانات تعليم التفلسف تقتضي منا أن نتساءل باستمرار حول موقعنا داخل الرقعة، و الأدوار المحددة لنا سلفا، من أجل توسيع دائرة الإرادة و الحرية، و الفعل بدل الإنفعال.
تفرض علينا هذه المهمة أن نتملك ممارستنا، و أن نتحول إلى فلاسفة بيداغوجيين (فلاسفة تدريس الفلسفة) و أن نتخلى عن دور الحكيم و الأستاذ لأن نصبح مرافقين و منشطين، نمسك بيد التلميذ على طريق التفكر، عوض أن نسير أو نفكر بدل له، لكن هل نقدر على قهر المؤسسة، و إعادة بناء الفلسفة كمدرسة للحرية؟ لنجرب إذن.

فلسفة الكفاية في تعليم الفلسفة


فلسفة الكفاية في تعليم الفلسفة
محمد سعد





أغلب المطالب التي يعبر عنها الطلبة – الأساتذة أثناء سنة التكوين بالمدارس العليا للأساتذة تدور حول التصريف الديداكتيكي للأفكار الفلسفية، و تبسيط هذه الأفكار المركبة التي تقدمها النصوص الفلسفية حتى تكون في متناول التلميذ.
لكن هذه الكفايات و إن كانت أساسية و جوهرية في فعل تدريس الفلسفة في السلك الثانوي التأهيلي فإنها في واقع الأمر تستدعي كفايات و قدرات أخرى يجب أن تتوفر في أستاذ الفلسفة، منها ما هو مرتبط بكم و كيف المعرفة التي يتوفر عليها هذا الأستاذ بتاريخ الفلسفة، و قدراته التواصلية مع المحيط الاجتماعي المدرسي إضافة إلى جوانب أخرى دينامكية ترتبط بشخصيته بشكل عام.
لكن لاشيء في التكوين الأكاديمي يسمح بالاستجابة الكلية لهذه المطالب، و من الممكن فقط فهمها و تفهمها باستمرار و محاولة بناء بعض التشكيلات الديداكتيكية التي تستجيب بشكل أفضل لهذه الانتظارات.
ما أقترحه هنا لا يعدو أن يكون سوى مجموعة أفكار أرفقها بمقترحات أنشطة ديداكتيكية.
و يعبر هذا المقال عن ثلاث مجالات: المجال الأول فلسفة الأخلاق عند أرسطو و الثاني ابستومولوجيا الفكر العلمي و أخيرا ارتباط الفلسفة بالديداكتيكا.
يقدم أرسطوا في كتاب »الأخلاق إلى نيقوماخوس« نظرية الفضيلة، تقوم على شرط أن يتمتع الإنسان منذ البداية على ملكات طبيعية، لأجل أن ينمي أو يكتسب استعدادات الفضائل، هذه الأخيرة هي عادات حسنة فكريا و أخلاقيا، يتعلمها الإنسان بفعل العادة و محاكاة الأفعال الفاضلة، كما لو كان الأمر يشبه لحد كبير إعداد رجال في الرياضة، إذ يطلب منهم أن يقلدوا نماذج من الركض و القفز تعرض أمامهم باعتبارها نماذج مثالية، وبفعل التكرار و الجهد تصبح حركاتهم أكثر رشاقة و تناغم إلى حد أنها تبدو للآخرين كما لو كانت طبيعية فيهم.  كما أن النفور الذي تولده في النفس عند بداية الاكتساب بفعل الجهذ و الفشل و المشقة يتحول بالتدريج إلى متعة يجدها الرياضي في نفسه عند أداء هذه الحركات و النجاح في ذلك.
كما أن الفضائل تختلف تبعا للوضعيات التي تتم فيها و الاستعداد الذي تشترطه أو تحركه فكل وضع يستدعي في الواقع ذكاء عمليا لفهم خصوصيته حتى نتمكن من التصرف السليم في إطار ظروف محددة و ملموسة؛ إذ لا يكفي أن يكون الهدف نبيلا حتى تكون الأفعال حسنة على أننا لا نتحدث عن الغايات و إنما عن الوسائل لبلوغ هذه الغايات يجب فهم ما يجب القيام به و متى و أين و كيف يجب القيام بذلك.
يقر أرسطو بتداخل هذه العوامل كلها مجتمعة، و لا يكون أي واحد منها لوحده كافيا لترسيخ هذه العادة الحسنة، كما أن كل فضيلة تستدعي فضيلة أخرى أو تنميها لأن الإنسان قادر على تطوير ما لديه بالخلقة بفعل الاكتساب و تعلم فضائل جديدة.
ما يمكن استخلاصة مما سبق؛ أن بعض الأحوال و الأعراض السيكولوجيا ضرورية في البداية و النهاية، في البدء تكون الرغبة و الإرادة: فاللذة و الألم يشكلان الأرض التي تتحرك فوقها الرغبة، فالجاذبية و الإثارة تجعلان كل شيء سهلا، و مهما، و ممتعا. أما المعاناة و الألم يجعلان كل شيء عسيرا و مملا؛ كما أن المتعة الناجمة عن سهولة و رشاقة الفعل ضرورية في التعلم، فالفضيلة إذن تمنح أو على الأقل تثير في النفس لذة إذا ما تيسر أن أصبح الفعل يسيرا.
و ليس الكفاية بمعنى خاص كفاية، علما أنهما معا عادات حسنة، و لا يشك أحد في أن بيداغوجيا الكفايات تشترط منذ البداية حافزا، و هدفا نبيلا، و تسعى لخلق فضيلة، و اكتساب المتعلم عادات حسنة، وتطويع نفسه لطلب اللذات العقلية و الخلقية، دون أن تجد في ذلك ممانعة أو عواصة. و لا يجب أن يحملنا هذا التصور على أن تمثل هذه البيداغوجيا على شكل قوالب صورية و جاهزة يغيب عنها روح العقل و الذكاء و الحركة الشخصية؛ إذ أن أي سلوك يتطلب دوما فطنة، و مهارة، و عقلا عمليا، يحسن تحليل الوضعيات و يفهم الحدود و الكيفيات المناسبة لأن يخلق النغم المطلوب بين كل حد و حد و كل كيفية و حد. و نفس هذه القواعد مطلوبة في معلم الفلسفة، لأن العادة الحسنة تأتي من رجل حسن، و لا يمكن لم لا قدر له من الفضائل أن يعلم الفضيلة لغيره.
فالمتعلم يجعل من معلمه بداية قدوة، و يضع عمله نصب عينيه ليقتفي أثره. و من هنا يحرض فقهاء التعليم على ضرورة أن يتوفر المعلم على بالقدر الكافي كما و كيفا على ما يطلب من المتعلم.


تعقد الكفايات:


و كل كفاية و إن كانت نظريا بسيطة، فهي عمليا على درجة في التركيب و التعقيد لأنها تتطلب قدرا من القدرات في الذات و الشخص لكي يتحقق الفعل أو الإنجاز.
و بوسعنا أن ننظر في هذا التركيب من مناحي متعددة. و قد يؤدي هذا إلى حصول التباس في الأذهان؛ فمن جهة لا بد من تحريك جملة من الاستعدادات الفطرية و الأخرى المحصلة بفعل الخبرة و التعلم، و من جهة ثانية لا بد أن يكون الفاعل مالكا لقدر ضروري من المعلومات و المعارف، لأن الجهل يعيق التصرف الحسن أو غالبا ما يفسده، لهذا ما أحسن جاهل فعلا، و إن حصل و أن تصرف وفق ما تقتضيه الفضيلة يكون فعله من أفعال الصدفة.
و نحن هنا نتكلم عن الكفاية كحاصل لفعل العقل الواعي و المتبصر الذي يعلم و يحسب كل شيء دون أن يترك أي شيء لعوارض الصدف، لكن التجربة، علمتنا أن العلم الوافر لا يضمن سداد العمل، كمثل العارف بكل أنواع و فنون رياضات الجري لكنه مقعد أو مشلول لا يقوى على تحريك أطرافه، و نفس الحال يصدق على الكفاية، فهي الأخرى تطلب ليس العلم النظري فقط و إنما مهارة الحركة العقلية أو العلم العملي، بمعنى العلم بأصول التفكير و استعمال العقل.  و لا يجب أن نغفل هنا، ثقل عامل الزمن، في الحكم على مصير النجاح في اكتساب المتعلمين هذه الكفايات، إذ أن تعليمهم ذلك يفرض
نمنح للمعلمين بكرم وقتا يمكنهم من إنجاز مهامهم و متابعتها و تقويم ما تبين اعوجاجه، لأن ضيق الوقت يولد ضيقا في النفس و هلعا يذهب الراحة و يقضي على كل متعة.
و مما سبق، يرشح الإشكال الديداكتيكي التالي: كيف نركب بين العناصر السالفة في بناء الكفاية بعيدا عن كل تلفيق أو اصطناع؟.
لو صوبنا نظرنا نحو واحدة من الكفايات الأساسية و هي بناء المفهوم او ما يسميه البعض » بالمفهمة« أو » التصورية« على أن تحليل هذه الكفاية في تركيبها لردها إلى عناصرها الأولية بغية فهمها و إدراك طرق إنجازها.
و »المفهمة« تنشأ بشكل حدسي في فترة الشباب و بشكل عقلاني و منظم في مدارس التعليم، و بشكل مخصوص في درس الفلسفة. فالمفهمة إذن، هي فن تفكير، ذو مبادئ و أصول نتوخى من المتعلم أن يمتلكها في نهاية مقامه في الدرس الفلسفي، و لكنها تطلب اللجوء باستمرار لقدرات أخرى لدى المتعلم، دون أن يكون بعض هذه القدرات قابلا للتعلم ضرورة. و تنظيم هذه القدرات، و طرق توظيفها هو ما يجعل المتعلمين متفاوتين في خواص شخصياتهم و مداركهم، مما يجعل القلة منهم فطنة و سريعة التعلم و أكثريتهم متوسطة أو قليلة الذكاء و لا تبدي استجابة بالقدر و الكيف المطلوب للتعلمات.
و يفرض المقال علينا في هذا المقام أن نميز بين ثلاث لحظات ذات أهميات متفاوتة داخل حركة »المفهمة« أو بناء المفهوم.
P اللحظة الأولى: القدرة على الانتقال من الوقائع إلى المفهوم، و إذن من المعاينة اليقظة لمعطيات الخبرة المعاشة، و القدرة على تحليلها و تفكيكها إلى عناصرها و طرح فروض بشأنها طلبا لفهمها، و بعد ذلك القدرة على المرور من المجزء إلى المركب، من خلال إعادة تشكيل بنية الموضوع داخل قالب لغوي و تعبيري شخصي مع المحافظة على روح المعنى و الفهم المحصل في التساؤل و التحليل و الافتراض، فالكفاية ها هنا تستدعي منا استنفار قدراتنا على التفكيك و الخيال و التركيب و التعبير و غيرها.
P اللحظة الثانية: القدرة على الحركة المجردة، أو التحرك برشاقة في حقل المجردات، فعلى المتعلم هنا أن يبدي شجاعة في الابتعاد عن المتشخصات و المدركات المحسوسات، لينغمس أكثر في بحر الأفكار المجردة، و أن يتحرك داخل تاريخ الفلسفة من تصور إلى آخر. لكن تربية المتعلم على التجريد ليست مطلبا يسيرا، و غالبا ما تخلق مشاكل جمة و تعترضها صعوبات يشعر بها المعلمون. لأن الحركة العقلية المجردة تنفصل عن أرض الملموس، الذي يطمئن إليه المتعلم و يسكن لوضوحه و بداهته الحدسية المباشرة، كما أن التجريد لا يخضع لأصور أو قواعد واضحة و يسيرة في التعلم، بل هي حصيلة مكابدة شخصية طويلة ترسم في العقل طريقا حدسيا، أشبه بنور لطيف يتلون بألوان غريبة يصعب وصفها، كما يصعب أن نضعها في قواعد مدرسية، و هو نفس حال أهل المتصوفة و أهل الحال، يكتشف كل واحد منهم طريقة إلى الوجد و اللذة الروحية بكده و طرق و قدر تحمله الخاص، دون أن يكون طريق الواحد منها صالحا لغيره.
و نحن حين نهم بقيادة المتعلم نحو فضاء التجريد نلمس لديه ممانعة، كممانعة الطفل الصغير في اقتحام الأمكنة المظلمة زد على ذلك أننا نطلب من المتعلم في فن المفهمة أن يبدي براعة أيضا في ربط المجردات بالمشخصات، بأن يجد مقابلا عينيا ووضعا معيشيا لكل مفهوم و تصور. الشيء الذي يفرض عليه أن يكون ملما بالمعيشي و المجرد في نفس الآن، و هي خصلة لا تتوفر في الواقع إلا لأهل الحكمة البالغة.
P اللحظة الثالثة: إن تأهيل المتعلم و إعداده لبناء التصور و المفهوم يستدعي أيضا تنمية القدرة لديه على اكتشاف و تعلم فن استعمال المفاهيم و المصطلحات الفلسفية، التي يطلق عليها أهل الفلسفة (تدريس الفلسفة) بالمعالم، و هي أدوات في خدمة التفكير و صور لاستعمال العقل، و هي التي تعد قاموس الفلسفة.
و أخيرا تشترط هذه الكفايات استخداما للغة، و القاموس، و الثقافة الشخصية و النصوص الموظفة وفق قواعد لعب محددة.
تتطلب كل واحدة من هذه المقاربات لبناء كفاية المفهمة عناية خاصة، و مراسا و فطنة غير منقطعة للمعلم في إبداع التمرينات النوعية و تكرارها حتى تترسخ أثارها في ذهن المتعلم.
و لا ريب أن كل هذه الأعمال تتطلب أن يوضع رهن إشارة المعلم الوقت الكافي الذي يسمح له بتحقيق إنجاز مقبول بعيد عن أي شعور بضيق الزمن و العجلة.
لقد قدمنا هذه اللائحة الطويلة – و الغير الكاملة – لاظهار أن بناء التصور لا يعدو أن يكون سلسلة من الكفايات المختلفة فيما بينها و المتفاعلة تسند الواحدة الأخرى.
لكن يفترض أن يكون المتعلم قد تعرف عليها و اكتسبها سابقا قبل ولوج الدرس الفلسفي؛ لأن الدرس الفلسفي على خلاف ما يعتقد الجميع ليس مطالبا بأن يعلم المتعلم هذه الكفايات، بل أن دوره ينحصر في إضفاء اللباس الفلسفي عليها. و ما يدفعنا لقول هذا هو محدودية الإمكانيات و العدة الموضوعة في متناول الدرس الفلسفي، فالغلاف الزمني للحصص يتقلص بالتدريج، و المقرر الدراسي يزداد كثافة، و المطالب البيداغوجية لا تتوقف عن التعقيد و الضغط على كاهل المعلم. بيد أن الكفايات الجزئية التي تندرج تحت كفاية بناء التصور أو المفهمة، من قبيل التحليل و التركيب و الاستشهاد هي نوع الكفايات المستعرضة التي تحضر في كل مواد التدريس؛ وليس من باب الفطنة أن نزعم أن الدرس الفلسفي هو أولى من غيره لأن يعلم المتعلم ما معنى و كيف يتم التحليل أو التركيب؛ و ليس بوسع الدرس الفلسفي في حدود شروطه الصعبة سوى أن يصبغ هذه الكفايات بصباغة فلسفية، أما قواعدها أو أصولها فيفترض أن المتعلم قد حصلها طوال سنوات التعلم السابقة في مواد دراسية متعددة.
و يمكن للناظر الفطن أن يتبين أن بعض الكفايات دون غيرها تحضر قوية في الفصل و تكون قابلة للتعليم و التطوير، كما أن المتعلم يبدي علامات حسنة في تعلمها و يبطئ و قد يتوقف في تعلم أخرى.
كيف يمكن أن نعلل هذا التفاوت في التحصيل؟
بداية، لا بد من القول أن المعلم نفسه يميل نحو كفاية بعينها و يهمل أخرى، و لا يحصل أبدا أن يعامل كل الكفايات بنفس القدر من الاهتمام و الحماسة. و نزيد هنا أثر شخصيته و ثقافته و استعداداته الأخلاقية و طباعه، كما تضاف عوامل تخص شخصية المتعلم و ذوقه وميولاته و قدراته العقلية و ظروفه النفسية و الاجتماعية.
و نحن نتجه في هذا المقام لترسيخ الفرض بأن تعلم هذه الكفايات من حيث كمها و كيفها و جودة هذا التعلم مرتبط بعدة شروط و عوامل ليس كلها عقلاني، بعضها يتصل بالعواطف و الوجدانيات و الأذواق و البعض بالإرادة و البعض الأخر بالنفع و الغاية. و قد يحصل أن يميل المتعلم لكفاية معينة، أو أننا نلاحظ لديه استجابة و خفة في الاستيعاب لأنها مفيدة في الحياة العامة و تصلح لأن تكون قاعدة للسلوك و التصرف خارج نطاق الدرس و قد تؤول هذه الاستجابة كضرب من التهرب و النفور مما هو مدرسي لما يطبعه من قوانين و قواعد منفردة، و طلب لما هو فسيح ورحب و حيوي. كما أن هذه الكفايات تضمن لنفسها الدوام في ذهن المتعلم و تجد مكانا في طباع نفسه و لا تتلاشى عن توقف الدرس أو الدراسة؛ أما الكفايات ذات الصبغة المدرسية و الجدوى الإمتحانية مهددة بالزوال السريع.

أفكار حول فن تعليم الفلسفة:

لا ريب أن التفكر في طبيعة الكفايات يمنح للمتفكر فهما لمهنة التعليم و يخيل لي أن فحص الحال الفلسفي من شأنه أن يقودنا نحو تجديد في الطرق و تشذيب للقواعد و الأصول في تدريس الفلسفة. و لأننا نجد في أنفسنا هذا الهم، نشرع في مقاربة صعوبة هذه المهمة بطرح السؤال التالي: ما هي الكفايات التي يتعين حصولها لدى معلمي الفلسفة لكي يعلموا متعلميهم كفايات فلسفية، كما سبق إحصاؤها سالفا ؟.
أود أن أطرح ها هنا بعض الأفكار من خلال استعادة عناصر من فلسفة المعلم الأول أرسطوطاليس، بغية الجواب و لو جزئيا على السؤال.
أولا: أثبت أرسطوطاليس أن الإنسان يظهر تطورا انطلاقا مما هو في طبعه و حاله. و يتوجب على معلم الفلسفة، بداية، أن يتعرف على ذاته و أن يكتشف شخصيته و أن يقدر مواهبه و كفاءاته لكن هذا الانتباه للذات ليس حاصلا للجميع، و ليس بديهيا أن نكون مهيئين كلنا و دوما للنظر لصورتنا على المرآة و لكم هو شاق على المعلم أن يعيد قراءة درسه و تحليل مفاصله، و فحص أفكاره و دلائله. و قد يحصل أن يتوفق المعلم عندما يتحقق من درسه ما لم يتحقق، لكن لن يذهب بعيدا في هذا الأمر، كأن يحلل قدراته و الاعتراف بعيوبه و القصور الذي يعتري شخصه و طرق تصرفه. و لو سلمنا بأن بعض المعلمين يمتازون بهذه الشجاعة في محاسبة الذات، فهل ينجحون في تعليم التلاميذ الكفايات المطلوبة؟.
و من غير اللائق أن يعترض عليها معترض في قولنا أن الكفايات تضرب جذورها في تربة الوجدان و الذوق و العاطفة، و أننا نخجل دوما من أنفسنا و نهرب منها إلى الأمام، بسبب انعدام التعود على استبطان أحوالنا و أنفسنا. و التعليم يتغذى باستمرار من هذه الشجاعة و الشفافية و الوضوح في مواجهة النفس. و ليس مطلوب من المكونين المعلمين في المدارس العليا أن يصقلوا طلبتهم وفق نفس القالب و المقياس، و إنما تقديم العون لهم في أن يتعرف كل منهم على ذاته و أن يفهم و يتفهم ما لديه و ما ينقصه و كيف عليهم أي يستثمروا كل ذلك في مهنتهم، و أن يرشدوهم إلى كيف يستكملون نقصهم .
ثانيا: ما قاله أرسطوطاليس لا يصدق فقط على المعلمين و إنما على المتعلمين أيضا؛ فالكفاية التي تكون أكثر من غيرها قابلة للتحقق؛ هي ما تكون أشد ارتباط بحال المتعلم، و تتناسب مع ما في ذاته من هموم و أغراض و استعدادات. الأمر الذي يدفعنا إلى القول بأن المعلم مطالب دوما بملاحظة المتعلم و الإقتراب منه و طلب فهم أحواله و قياس استجاباته، و التكوين في المدارس العليا للمعلمين مطالب أيضا بتمكين المعلمين من تطوير حدوسهم و فنهم في إدراك أحوال و أذواق و أمزجة متعلميهم. فمن الحسنات المطلوبة ها هنا أن ينوع المعلم في سبل التعليم و أن يخترع من الطرائق و الوسائل ما يمكنه من طرد الملل و النفور لأن تكرار نفس المسالك يسد شهية التعلم و يقلل من شوقه و تشوقه في طلب المعرفة. و من الملاحظ أن المعلمين الجدد، الذين تخرجو لتوهم من المدارس العليا لمعلمي الفلسفة يميلون بقوة للتشبت بالطرائق التي اكتسبوها أثناء تكوينهم، و لا يكلفون أنفسهم في السنوات الأولى في مهنتهم عناء التفكير و البحث عن سبل أخرى؛ و لن يمكنهم مراجعة ما لديهم إلا بعد أن يمتلكوا خبرة في الميدان و تشرع بعض الصعوبات في توليد التساؤلات في اذهانهم، إن هم كانوا مداومين على فحص ما ينجزونه في فصولهم.
ثالثا: يطلب منا أرسطوطاليس استخدام آلة العقل العملي، لأن كل عادة حسنة لا تتحقق إلا في وضع خاص، و حال فيه شروط معينة، و هذا العقل هو ما يدعوه البعض بالذكاء و التبصر، و السرعة في التكيف من خلال اكتشاف الأوضاع و قراءة الأحوال و الاستجابة الملائمة و العاجلة و هذا العقل ليس كونيا و لا حاصلا لجميع الناس، و لا يقبل التعليم في الجامعات و لا المدارس العليا و إنما هو عقل مستفاذ من التجربة و الأوضاع التي يخرج فيها الدرس إلى الفصل؛ و يدخل هذا الذكاء أو العقل العملي في صلب هذه الكفايات، و لنقل أنه المبدأ الذي يخرج كل كفاية من القول إلى الفعل.
و من الواجب الاعتراف للمعلمين المتخرجين من المدارس العليا لتعليم الفلسفة بعظم الكف و الكيف في المعارف التي حصلوها، لكنهم في الغالب لا يحسنون في بداية مباشرة مهنتهم الوصول لطريق أو الطرق المناسبة للوضعيات و الأحوال التي يباشرون فيها عملهم و من المألوف سماع شكاوي المعلمين الذي التحقوا بالقرى و المناطق النائية، حيث يصعب العيش، و تنعدم الوسائل و تضعف الخصال و الاستعدادات لدى المتعلمين، أن ما تعلموه من فنون في مدارس التكوين لا يناسب الأوضاع التي يوجدون فيها. ومع ذلك نراهم متشبتين بما تعلموه و يقاومون الظروف الصعبة لاستخراج بعض ثمار مما تعلموه و يعلمونه، و لكن ما ينقصهم في واقع الحال هو العقل العملي حسب ما قاله أرسطوطاليس، فلا يحصل أبدا أن تكون الأحوال مواتية للجميع، و أن تتوفر أحسن الشروط في كل البقاع. و المطلوب في المعلم الفنان أن يتغلب على الصعاب و أن يخرج الحي من الميت، و اللطف من القسوة، و أن يستخرج من نفسه ما يفيده في إنجاح مهمته، و ذلك بالحرص على تناسب الوسائل و الطرق و المعارف مع القدرات و الأحوال و الاستعدادات التي تخص المتعلمين.
و ليس من الحق من يزعم أن تعليم الفلسفة يناسب أهل الحواضر، و المدن العامرة، و حسبنا نقول ها هنا، أن فضيلة الفلسفة من النعم الكونية، التي لا يجذر بأي مخلوق بشري أن يحرم نفسه منها؛ و الشاهد على قولنا، أن المتفلسفين من العرب و المسلمين، عاشوا في ظروف هي بالقياس على ما يعيشه أهل البوادي في زماننا، أقل راحة، و لكنهم رجال أظهروا من رباطة الجأش و القدرة على التعلم و التعليم، فلا خير لنا في التخفي وراء الشروط، فتعليم الفلسفة ممكن في كل الأحوال، و ما يعسر الأمر في الغالب هو سوء تقدير الطريقة، و نقص في تكييف المعرفة و المطالب مع الأوضاع.
و المعلمون في الحواضر و المدن المزدهرة هو أكثر من غيرهم راحة لما يتوفرون عليه من أدوات و إمكانيات موضوعة رهن إشارتهم. و المتعلمون أكثر نباهة لما في ذواتهم من استنفار و يقظة حاصلة بفعل الحياة المريحة و المشوقة التي ينعمون بها بالقياس مع من هو في البوادي و الأرجاء.
رابعا: تلتقي الكفايات و العادات الحسنة( الفضائل عند أرسطو) عند نقطة الاكتساب بفعل العادة و التكرار لكن هذا التكرار يطرح مشكلا إضافيا على كاهل من هو مكلفون بتكوين معلمي الفلسفة، و على المعلمين أنفسهم، إذ عليهم أي يلفتوا انتباه المعلمين المتدربين إلى أهمية التوظيف المتكرر للمكتسبات القديمة، في وضعيات مختلفة. و يقود هنا الشرط الفني إلى وضع المعلمين في مفارقة يعسر أحيانا عليهم حلها: كيف يمكن خلق تواطؤ إيجابي بين التكرار، بما هو تثبيت لنماذج، و التجديد بما هو انتزاع ذات المتعلم من الوضعيات المألوفة.
لأن التكرار المطلق يسجن ذهن المتعلم في نماذج معطاة و يقتل قدرته على التعاطي الحسن مع وضعيات جديدة؛ كما التجديد المطلق يشوش على ذهن المتعلم و لا يترك له فرصة لتثبيت قاعدة أو مبدأ.
خامسا: تحدث أرسطو عن الرغبة كشرط اساسي في تعلم السلوكات الحسنة، و هذا الشرط يسمى في عصرنا باللغة الجديدة للسيكولجيا بالحافزية و يمكن لأي معلم للفلسفة أن يلاحظ بيسر شديد أن التلاميذ يتعلمون دائما ما هم واعون به مسبقا، و هذا يتطلب من معلمي الفلسفة أن يتوقفوا بعض الوقت عند التصريح بغاياتهم و أهدافهم من كل حصة أو مفهوم أو مجزؤة.
كما هو شان المسافر الذي يستبد به القلق لأنه يجهل الطريق، و السائق لا يصرح له بخارطة السفر فتكون متعته بالسفر و تأمله لمناظر الطريق مشوشة بالخوف و القلق. كلما رسمنا المسالك للمتعليمن، أو طالبناهم بفعل ذلك زاد إدراكهم وضوحا، و كان انخراطهم مضمونا، و يكتشفون رغبتهم في التعلم لما يتيح هذا التدريس من فرصة للقرار و إدارته بمعية معلميهم.
عندما يتعرف التلميذ على الأهداف و الوسائل و يكون مساهما في بناء الطرق و المعارف يتحول المعلم إلى مدرب و مرشد يقود التلميد على طريق يمشي عليه مستعملا رجليه و كل حواسه و قدراته دون أن يحمله فوق كتفيه أو بين ذراعيه؛ و هذا هو المعنى الذي قال به أهل اليونان في البيداغوجي أي الرفيق الذي يقود الأطفال على الطريق.
و لكي يتحول المعلمون إلى مرافقين و بيداغوجيين حقيقيين بالمعنى اليوناني لا بد أن نمنحهم الوقت اللازم لهم لكي يجدوا الفرص الضرورية لإنجاز التقديرات و القياسات أو ما يسميه البعض منا بالتغذية الراجحة للتعرف على درجات استجابات التلاميذ و تشخيص الصعوبات التي تعترض كل واحد منهم كما يستحسن أن يشارك المتعلمون في هذا التشخيص و ذلك بتعليمهم بعض قواعد و مؤشرات التقييم الذاتي؛ ذلك أن الاكتساب الجيد يتطلب التقويم و التصحيح و التثبيت باستمرار، و من غير الممكن إنجاز ذلك إذا كان المعلم في عجلة من أمره، لأن حيز الزمن ضيق بفعل عدم تناسب كم المعلومات الواجب تلقينها مع الكم الزمني المخصص لذلك، مما يدفعه إلى القفز و إهمال ترسيخ القواعد و تشخيص التعلمات، و يضظر إلى إعطاء ملخصات عامة، أو الإملاء أو إلقاء خطب، إلى جانب ذلك لا بد أن يكون التكوين الذي يقدم للمعلمين في المدارس العليا أن يساعدهم على اكتشاف قدراتهم و تنميتها لأجل توظيفها في فصول التعليم. و نميل ها هنا للقول: إن كان من المطلوب أن يصبح المتعلمون ممارسين للتفكير أو مفكرين، فلا بد أن يكون المعلمون متوفرين في ذواتهم بالقوة و الفعل على هذه الفضيلة.
سادسا: يوجد بين القوة و الفعل عند أرسطو نوع من التوثر و لكي يحصل تعلم الكفايات لا بد من تجاوز الملل و اللامبالاة، و السلبية، و النقل.
يجب أن يتوفر في ذات المتعلم قدر من الطاقة النفسية و الذوقية التي تحفزه نحو التعلم و طبيعة هذا الحافز تشتمل على توثر بين حالين: الجهل و الرغبة في العلم؛ و عندما يتوفر هذا الحافز بالقوة لا بد من نقله إلى الفعل، و هي مسؤولية المعلم في التوسط بين المتعلم و العالم،  لا يقف دون المعلم عند التلقين فقط، بل يتعداه وجوبا إلى إثارة نفسية، ووجدانية، و فكرية للمتعلم بأن يشعل في نفسه تلك الشهوة و الرغبة، و أيضا الثقة، و اليقين بضرورة بذل مجهوذ و هو ما يمكن تسميته بجمالية المجهوذ.
تفكير في كفايات المعلمين و كفايات المتعلمين:
بما أننا سألنا تلاميذ في الطور النهائي لسلك التعليم الثانوي التأهيلي إن كانو قد تعلموا بعض الكفايات من دروس الفلسفة، و إن كانت إجابات جلهم بالسلب، فإن القليل جدا منهم صرحوا باكتسابهم لبعض الأمور ذكروا: الصرامة في التفكير، و الدقة في التمييز، و حب التجريد، ومتعة طرح التساؤلات و المشكلات الكبرى، و اللذة في قراءة النصوص، و القدرة على ممارسة النقد و التحليل، و الاهتمام بالمذاهب و المدارس الفلسفية.
تتضمن لائحة هذه المكتسبات من جهة على أمور وجدانية تم التعبير عنها بالحب، و المتعة و اللذة، و من جهة ثانية على أمور متصلة بما هو معرفي و ذهني مثل الصرامة و الدقة. و من جهة ثالثة على أمور تتعلق بالوسائل و الأدوات من قبيل النقد، و التحليل، و القراءة و التساؤل.
لكن هل يمكن اعتبار هذه التعلمات كفايات؟ و المشكل الذي ينطوي عليه السؤال يكمن في المعيار الذي نميز به بين الكفايات و ما ليس بكفايات. ربما يميل المتعلمون إلى اعتبار ما تعلموه كفايات لأنهم ببساطة يستثمرون ذلك في حياتهم خارج درس الفلسفة، لكن لماذا يعتقدون أن تعلمهم لهذه الأمور تمر في درس الفلسفة ؟ و قد تكون هذه القدرات و المهارات حصلت لديهم قبل وخارج درس الفلسفة.
ربما أن درس الفلسفة يشدد في أهدافه على هذه القدرات و يمنحها شكلا مكتملا و متكاملا و عميقا و ناضجا يجعل المتعلم يقع في وهم تعلمها داخل درس الفلسفة و ليس قبله أو بعده. هل من المقبول أن نسمي هذه التعلمات كفايات ؟ من الملاحظ أن هذه التعلمات لا ترد كلها إلى معارف و محتويات، و لا إلى قواعد سلوك ميكانيكي، و لا إلى أدوات ذات استعمال نفعي، يوجد بين هذه النقط ما هو أساسي: تملك المعرفة و تنظيمها و تحويلها من أجل استخدامها في وضعيات متنوعة.
و لا يجوز أن ننظر لهذه الأمور دون استحضار الجانب النفسي و الوجداني المرتبط بالرغبة و الذوق في تملك و تحويل و استخذام هذه التعلمات، هل الأمر يتعلق ها هنا بكفايات ؟ الجواب بالنفي، على الرغم من كونها عادات حسنة و تعلمات جيدة يسعد المعلم بتلقينها للمعلمين.
لا بد هنا من إجراء تمييز أساسي: هناك العديد من الكفايات المتنوعة لكنها نوعية أو خاصة بدرجة معينة التي يتوجب على المعلم إمتلاكها لكي يبعث بعضا من الروح الحيوية في تفكير المتعلمين، و في الآن نفسه، لا بد من التساؤل حول وجود كفايات فلسفية خالصة يكون المتعلم ملزما باكتسابها في درس الفلسفة.
كل الكفايات التي سبق إحصاؤها أو تلك التي نقرأها في التوجيهات الرسمية لتدريس الفلسفة هي ذات طبيعة أفقية؛ و تكتسب قبل أو خارج الدرس الفلسفي و دور الدرس الفلسفي لا يتجاوز إكمال و إتمام هذه التعلمات السابقة، و يسمح بالوعي بها، ليس هذا الدور قليل الأهمية، بل هو جوهري في تحقيق هذه الكفايات الأفقية،
و إن حصل أن ظل المتعلمون يسثتمرون هذه الكفايات في حياتهم بعد الدرس الفلسفي، فذلك راجع لكونهم وجدوا متعة و لذة في ذلك، منحها إياهم الدرس الفلسفي؛ هل يعني ذلك غياب كفايات فلسفية نوعية، أم أن الدرس الفلسفي يشتغل على كفايات افقية فقط؟

الإطار الفلسفي ( التأطير):

تتضمن كل كفاية عنصرين أساسيين: إمتداد (مجال) و تضمن (علاقة) يطرح مجال تطبيق و ممارسة الكفايات مشاكل متعددة، فالعالم بأسره مجال للممارسة الفلسفية، باعتباره حقلا واسعا لوجهة النظر، و إرادة الفهم، و القدرة على التمييز بين ما له معنى و ما لامعنى له.
فالفلسفة تحدد فلسفيا إطار مشكلتها. و هذا التأطير هو مسألة اختيار بدرجة أولى: لأنه يكشف جانبا من الواقع و يحجب جوانب آخرى، و يثير الانتباه نحو بعض العناصر دون غيرها. فهو إذن ثمرة قرار ما نرغب رؤيته و ما نقرر تجاهله. لكن ماذا يكون هذا التأطير الفلسفي؟ هل هو نظر للأشياء من زاوية وجودها أو معناها أو دلالتها في ارتباط مع مصير الإنسان ؟.
يكفي لفهم مختلف أشكال التأطير، أن نستحضر هنا الفرق بين نظرة كل من العلم و الفلسفة للموت.
إن التأطير الفلسفي كفاية فلسفية ، لأن كل واقعة تكتسي دلالات متعددة و مختلطة في الحياة، و لا تمتلك بشكل قبلي أي طابع فلسفي، وبما أن نظرة الفيلسوف ذات عمق فهي تنزع نحو الحكمة و تطرح العلاقة بين الواقع و الحياة الخاصة للتأمل و التفكير.
و من المهام الأساسية لمعلم الفلسفة أن يعلم فن التأطير مستعينا في ذلك بالمثال، و العادة، و الصبر، و العشق، عليه أن يواضب في ممارسة التأطير حتى يتعود المتعلمون على ذلك و يكتشفون متعة النظر الفلسفي للعالم أو لنص فلسفي. و لا يبتعد هذا التأطير قط عن المتعة أو الرغبة، لأن الناظر لا يرى من العالم إلا القضايا التي تهمه و تنسجم مع رغبته، و لا شك أن تعلم التفكير في العالم هو أيضا اكتشاف للحرية الذاتية، مادام هذا التفكير هو نظر من زاوية شخصية، و تبعا لإرادة ذاتية، و قرار و موقف يبنيان تبعا لحدوده و أذواق خاصة، تحد من تبعية الذات للعالم المعطى و التمثلات الجماعية الرائجة.
و من العيوب الكبرى التي لا تغفر لمعلم الفلسفة، أن يقصر بحثه في الفصل على الأمور التي يطرحها المقرر الرسمي لتدريس الفلسفة، و إنما عليه أن يوسع دائرة البحث لتشمل كل الأمور الحياتية التي تمس حياة المتعلم.
و لعل أكبر مصادر الملل و الكلل التي تقتل الرغبة و المتعة في نفس المتعلم، هي أن يجد فكره مقيدا في قضايا معينة، مختارة بعناية الحاكم و السلطة القائمة، من دون أن يجد نفسه معنيا بها، و هو الحال الذي ينطبق على تعليم الفلسفة بالمغرب،
إذ لا يخفي المتعلمون تذمرهم من المواضيع المقررة لابتعادها عن هموم حياتهم المباشرة و يظهرون اهتماما و متعة في المتابعة والنقاش حين ينزلق الأستاذ و لو عرضا إلى مشكلة سياسية أو إجتماعية يومية.
و لأن المتعلم يجد متعة في التعلم تظل العادات و المعارف و القواعد التي حصلها في درس الفلسفة راسخة في ذاكرته و حية في مخيلته ووجدانه.
و على هذا الأساس يصدق الفرض القائل بأن التأطير الفلسفي هو الكفاية الوحيدة بالمعنى الفلسفي التي يتوجب اكتسابها من طرف المتعلم في الفصل النهائي من التعليم الثانوي، و إن كان من الملاحظ أن المتعلم يكتسب و يطور كفايات أخرى، لكنها غير فلسفية بسبب أنها أفقية أو أنها قابلة للتعلم قبل أو خارج درس الفلسفة.
تكون المسؤولية الكبرى ها هنا على عاتق المشرفين على تكوين معلمي الفلسفة الجدد، لأن المعلم طيلة دراسته بالسلك الجامعي لم يسبق له أن تلقى دروسا مخصوصة للنظر، و التحليل، و التأطير، غير بحث كتاب أو مذهب فلسفي. و لم ينعم بمتعة فن النظر لهذه القطعة أو تلك من الواقع المعيش و هو مطالب لأجل أن يكون معلما محترفا في الفلسفة بأن يكتسب أصول هذا الفن من المشرفين على تكوينه بالمدرسة العليا لتكوين معلمي الفلسفة، الواقعة ببلدة تولال في حاضرة مكناس.
و من بين الأمور التي عليها تعلمها حسن التوسط بين المتعلم و العالم، و المتعلم و ذاته( ذات المتعلم) و رغباته، و اهتماماته، و فكره، و قدرته على فهم و تحمل مصيره الخاص، إن المعلم وسيط و كشاف للواقع كموضوع التفكير تبعا لنظرة الفيلسوف.

خاتمة

كانت الغاية من هذا المقال أن نعرض الحجج في بيان أن الكفاية بالمعنى الدقيق   و الضيق تقبل التعلم إذا ما كنا نملك في نفوسنا الرغبة، و الحافز، و إذا ما أصبح هذا الحال قطعة من حال حياتنا المعيشية، و طريقة جودنا.
كما قصدنا أن نكشف عن التعقيد الذي يسكن في جوف كل القضايا و المشكلات التي ترتبط بفن تدريس الفلسفة، و أن المعلم و المتعلم شركاء في بلوغ المقاصد النبيلة للتعلم.
و أخيرا أقول: إن كان تعلم الفضائل في نظر أرسطو يبدأ برغبة في بداية التعلم، و ينتهي بلذة في نهاية التعلم، فمن الواجب على كل غيور على درس الفلسفة من أهل المغرب أن يعمل مشكورا أو مأجورا في سبيل بث الروح في درس الفلسفة و هو رميم.